Saturday, November 13, 2010

رجال وألهة.. النوايا الحسنة لا تصنع فيلما جيدا







أن يحصد فيلم الجائزة الكبرى لمهرجان "كان" السينمائي ويحصل على إشادات نقدية داخل فرنسا، أن يثير فيلما جدلاواسعا بين الفرنسيين والجزائريين، كل هذا يجعلك تحرص على مشاهدة الفيلم الفرنسي " رجال والهة" والذى عرض فى دور عرض جالكسي وسيتى ستار ضمن فاعليات بانوراما الفيلم الاوروبي.

جدل وتوترات سياسية

تدور أحداث الفيلم الفرنسي "رجال وألهة" للمخرج "كزافيي بوفوا" حول حادثة حقيقية حدثت فى منتصف التسعينات بالجزائر حيث تم اختطاف وقتل سبعة رهبان فرنسيين من "دير أطلس" فى قرية صغيرة بالجزائر ويركز الفيلم بشكل رئيسي على رحلة رجال الدين الداخلية وإيمانهم الشخصي فى مواجهة الارهاب والتطرف متهما الجماعة الإسلامية بمسؤولية خطف وقتل الرهبان. الحادثة من الاساس كانت مثارا للجدل فى الفترة الاخيرة وقبل ظهور الفيلم نظرا لظهور تلميحات بتورط الجيش الجزائرى فى عملية الاختطاف. ظهر الفيلم وسط ضجة وتطاحن فرنسي جزائري حول الحداثة فمنذ أختيار مكان التصوير والجدل يتصاعد ، فإستضافت المغرب لتصوير الفيلم اثار حفيظة بعض الصحف الجزائرية متهمة النظام المغربي بإحتضانه لنفى شائعات قديمة بتورط تنظيم "الجيا" الارهابي فى الحادثة وتوجيه مسار الشبهات حول تورط الجيش الجزائري، تسمتر الضجة حتى وصل الفيلم لمسابقة "كان" وحصد الفيلم للجائزة الكبرى لينفجر جدل محتدم فى الاوساط السينمائية والسياسية بالجزائر وفرنسا।

النويا الحسنة وحدها لا تكفي

السلام، التسامح، الصمود. هل كل هذه المثل العليا وحدها تستطيع تقديم فيلم سينمائي جيد؟. "رجال والهة" وصف دقيق لما يحاول ابطال الفيلم الوصول اليه وعبر عنه "كزافيي بوفوا"بجمل حوارية واضحة كما فى عظة "كرستيان" كبير الرهبان فى الدير حول تجسد المسيح لانسانيتنا، فالفيلم يدور حول هذا الحلم بتحول البشر لأنبياء أو جزء من ألهة، فاعتمد الفيلم على اللقطات الواسعة التى تبرز صغر حجم الانسان بجوار الطبيعة وبالتبعية بجوار الخالق والذى يسعى الابطال دائما للتقرب منه، مع لقطات طويلة زمنيا لجو السكينة والايمان فى مبنى الدير الضخم وسط أنغام الترانيم الكنسية مع خيوط فرعية للغاية أستخدم فيها لقطات سريعة ومباشرة لإرهابين ملثمين مطلقين اللحى يقتلون دون رحمة .

انها إعادة لخلق الثنائيات الشهيرة الحياة فى مواحهة الموت، الخير فى مواجهة الشر او بالأحرى الايمان فى مواجة التطرف، يدخل الفيلم بنية حسنة وظروف تاريخية متعطشة لشجب الارهاب وتقارب الاديان وتصالحها، ظروف يتمنى فيها اهالي الشرق ظهور فيلم يتحدث عن سماحة القرأن والاسلام الصحيح فى مواجهة الهجمة المتطرفة وخطاب غربي متكرر عن الوجه الإنسانى الخيري للمسيحية ، فيظهر الدير بالفيلم كالجنة مساحات خضراء واسعة ترانيم هدوء تأملى تناغم دينى بين الرهبان والسكان الاصليين من المسلمين فعند سماع اخبار العمليات الارهابية تجد "كرستيان" يحمل صندوق بمساعدة الشاب المسلم ويستمر الفيلم على هذه التنويعة، مشاهد الارهاب فى التلفزيون والقس الطيب يطبع نوتات موسيقية للترانيم مع مشاهد مكررة للعائلة المسلمة فى القرية تكرر نفس المعنى "الارهابيون لا يقرأون القرآن". كل هذه النوايا الحسنة تصنع مقالا صحفيا مميزا ولكن بالتأكيد لا تكفى لصنع فيلم جيد، فيظل الفيلم يضحي بأى نقطة تحول درامية مبشرة لصالح رسائل أخلاقية مباشرة لعل أبزها خطاب "كرستيان" قبل إختطافه والذى قدم بطريقة قديمة للغاية فى السرد وهى مخاطبة المشاهد وتوصيته بكل ما يريد المخرج أن تحافظ الانسانية عليه، التضحية بالدراما لصالح التضحية للرب قتلت أى تعاطف او تورط للمشاهد فيما يحدث فالارهابيون ينهون هجومهم على الرهبان بالمصافحة بعد ترديد بعض الايات القرئانية من كبير الرهبان، وهنا يثور سؤال مفصلي، ما هوالخطر وما هى المعضلة التى تجبرك على المشاهدة؟. حتى خوف أبطاله الغير المبرر ظل الفيلم يهمشه ويقلل من إنسانيته فهو دائما ينحاز لمن قرر البقاء فى الدير ساخرا من الذين ينشدون الرحيل او مشفقا عليهم دون تفهم. الفيلم دون حبكة درامية محكمة يظل كخطاب دينى سياسي جاف يبتعد تماما عن تعقيد الحياة التى تصنع سينما تجبر المشاهد على التورط، التوحد، التفاعل। فالنوايا الحسنة تصنع قساوسة الهة ومسلمين متسامحين ولكن تظل لا تستطيع وحدها صنع فيلم جذاب.


شخصيات دون تاريخ

الرهبان منذ البداية لا تعلم شيئا عن تاريخهم الدنيوى وكأن الحياة بدأت معهم فى هذا الدير فهم كالأيقونات الموجودة على جدران الدير، لا يحملون اى ذكريات عالقة لماضى أو حنين إنسانى يعقد صراعهم الفاتر دراميا حول البقاء او الرحيل، فهم مجرد رمز للصمود، مهتما اكثر بإبراز الدير كجزء من تاريخ القرية فى مواجهة إتهامه بأنه من بقايا الاستعمار الفرنسي. ويتناسي تماما أهالى القرية وكأنهم ليسوا طرفا حتى في جذب التعاطف تجاه الرهبان فظهروا دون أى تاريخ درامي مع أداء تمثيلى مفتعل ونمطي دون أى توجيه من مخرج بعيد تماما عن فهم أنماط قرية جزائرية فقيرة فى التسعينات فهم أيضا مجرد ايقونة أخرى لإكمال صورة التسامح।

وتظل الجائزة الكبرى لـ "كان" التى حصدها الفيلم هى الحدث الأبرز الذى يثير تساؤلات كثيرين من عشاق فن السينما الذين يتعاملوا مع "كان" على أنه يحدد مسارات تحول السينما فى حقب تاريخية أو هذا هو ما عودنا عليه المهرجان التاريخي الذى يقدر ويهتم بشكل أساسي بفن السينما، أم أن المزاج العالمى نحو التسامح ونبذ الارهاب أصبح يسيطر بشكل طاغى متجاهلا معه اى متعة سينمائية او جودة درامية. "رجال والهة" وقع فى ورطة نزع الصفات الإنسانية عن البشر للتقرب من الألهة، وأعاد فتح التساؤلات حول جوائز المهرجانات السينمائية العريقة.

بطاقة الفيلم :

الاسم الأصلي:

إخراج:

تمثيل :

إنتاج عام:

جوائز:

Des Hommes et des Dieux

كزافيي بوفوا

لامبرت ويلسون

ميشيل لونسدال

أوليفر رابوردين

2010

الجائزة الكبرى مهرجان "كان"

.........................................

بسام مرتضى