"بيوتفيل" المدينة التى تلفظ سكانها
تسأل الابنة أبيها وهى تجهز لوحتها " كيف تكتب كلمة بيوتفيل" يرد الاب " كما تنطق" فتكتبها بخطأ إملائي واضح هذا هو السؤال المفصلي فى رائعة المخرج المكسيكي أليخاندرو إيناريتو "بيوتفيل"، الفيلم الذى ترشح لنيل جائزة مهرحان كان لهذا العام وعرض فى مصر فى إطار فعاليات بانوراما الفيلم الاوروبي لعام ٢٠١٠.
المدينة الخانقة
يبتعد "أليخاندرو" بهذا الفيلم عن البناء الدرامي لأخر افلامه "بابل" على الرغم من الحفاظ على نفس التنوع الثقافى فى شخوصه فشخصية "اوكسبال" التى يجسدها الممثل الأسباني "خافيير بارديم" هى محور الاحداث الذى تتلاقي معه كل الخيوط والشخوص فى رحلته نحو الموت، تنوعات مختلفة من المهاجرين الصنيين إلي الافارقة يجتمعون جميعا فى مدينة منزوعة الملامح والتفاصيل خانقة الى أبعد الحدود، تدور رحلة "أوكسبال" داخل مدينة برشلونة التى تنسي كثيرا وجودها إلا فى لقطات او جمل حوارية خاطفة، مثل المهاجر السنغالى الذى تم ترحيله واطلق على ابنه اسم "صامويل" تيمنا باللاعب الكاميرونى صامويل ايتو لاعب برشلونة الاسبانى، وهنا تنتبه فجأة انك لازلت فى مدينة برشلونة। هذا التنوع الثقافى يخرج تماما عن اى كلام يخص رحابة المدينة الكوزموبولاتينة، فأنت لاترى إلا لقطات ضيقة وخانقة دون مقدمات بانورامية او استعراضية للمكان، فالقسوة والاختناق تظهر مع كل تكوين يقدمه الفيلم ترى كل مخلفات المدينة معلق بشكل عشوائي على عواميد الكهرباء او على أحبال الغسيل المهترئة وكأنها بقايا بشر جرفتهم الامطار وتعلقو بهذا الشكل المهمل. يعتمد "أليخاندور" على إعادة عدد من اللقطات الواسعة لناصية منزل "أوكسبال"، منزل قديم على ناصية شارع متعرج يغرق الداخلون فيه، ولكن تكمن قسوة الفيلم الرئيسية فى عدم إحالة اللحظة الحالية شديدة الاختناق إلي لحظة ماضية افضل، بل انت تتأكد ان هذه الحياه على كل ما فيها مصاحبة لشخوص الفيلم منذ الميلاد، شديدة الصلة بأصولهم الطبقية والعرقية رغم اختلاف اماكنهم فأب "أوكسبال" يهاجر من اسبانيا فى فترة حكم الفاشية باحثا عن الخلاص فى المكسيك فيموت بعد أسابيع منذ وصله ويهرب المهاجرون الافارقة والصينيين من جحيم بلادهم الفقير ليعيشوا محاصرين فى قاع أوروبا.
الموت الرخيص
الموت هو خط درامي مفصلي للغاية فبطل الفيلم يعلم من البداية انه على وشك الموت بسبب سرطان البروتستات فيزداد فى ارتباكه ورفضه ومراجعة ميراثه من أبنائه لعمله، كيف كنت أبا ومن سيكون الأب بعد موتى، يراجع فشله الدائم فى البحث عن حلول طويلة أبدية، يحاول العودة لأوضاع سابقة باحثا عن أمل فى الماضي الذى ينكسر زيفه فى كل محاولة للعودة ،الموت يطل بقسوة أكثر مع المهاجرون الصيينون وفى صمت تام وبتفاهة قاسية يموت 25 شخصا من الاختناق دون حتى ان تراهم يقاومون، يصرخون. لا تراهم الا فى مخلية "أوكسبال" ، لاترى إلا جثث هامدة فى أماكن نومها. الموت الرخيص هو المصير المتوقع لكن شخوص الفيلم الذين لا يملكون شيئا ولا يؤثرون فى شيء، الكل يذهب مع النسيان حتى فى مماته، الكل غارق فى قاع المدينة التى تلفظ جثته فى النهاية كمل لفظ البحر جثث الصينيين اثناء محاولة التخلص منهم، وكما تلفظ المدينة بقايا البشر على حوائطها.
"بيوتفيل" شريط سينمائي بديع من حيث التكوين البصري والألوان المستخدمة من درجات الازرق التى تصل الى البنفسجي لتعطيك مزيدا من الالم والقسوة مع إخلاص شديد من المكسيكي "إليخاندرو" لايقاع أبطاله وإيقاع رحتله، يتعاطف معهم فى كل تكويناته ويجبرك على تذوق المرارة معهم، ويظل أداء "خافيير بارديم" الذى حصد جائزة "كان" لأفضل ممثل ملفتا للغاية بهذا الحزن الذي يخرج من ملامح ذكر قوي و يسيطر على أدائه منذ البداية.. "بيوتفيل" ستظل تكتب بأخطاء إملائية واضحة لإنها محاولة البحث عن شيء لم نعشه ولن نجده .
بطاقة الفيلم
الاسم : بيوتفيل biutiful تاليف واخراج : أليخاندرو إيناريتو بطولة : خافيير باردييم، ماركيل الفاريز، حنان بشعيب انتاج سنة 2010 الجوائز : جائزة مهرجان كان أفضل ممثل دورة 2010 |
.............................
ملحوظة، كتبت هذه التدوينة لمجلة البوصلة، وميعاد تسليمها كان يوم ٢٥ يناير ٢٠١١ ، والان أعود لاجدها بالصدفة علي بريدي الشخصي.
بسام مرتضى
6 Comments:
كل هذا القبح في ثنايا المسارات المبهرة ... برشلونة مدينة جاذبة بكل عبثها القاسي ... كم كرهت هذة المدينة الجميلة ... اعترف انها المدينة التي غيرت كل مفاهيمي عن جماليات و شروط الحياة ... من بين زخارف جاودي الآسرة ...لم ارى إلا دماء سكبت في امريكا اللاتينية و العفن المقدد في حوار مع صديق "يساري" ظل يسخر من ويستنكر ازعاج الباعة الجائلين لة-الهنود الآوساخ المفسدين لهيبة المكان
في برشلونة بكيت كثيرا ووحيدا
very nice
تسلم ايديك
رااااااائع
مدونه اكثر من رائعه
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
http://www.tjaraldoha.com/vb
حابة اشوفه جدااااااااا
Post a Comment
<< Home