Sunday, May 27, 2012

عندما نادت الجماهير على الزعيم وقالتله "خد ياض"



انتهت رحلة الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة المصرية بخبرة جديدة نوعا ما على العديد منا، الخص هذا التغير فى التفكير والعمل بجدية من أجل خلق شكل يجذب اعداد كبيرة من المواطنين بعيدا عن اصطفاف مصنع عشنا فيه منذ بداية استفتاء طارق البشري، اختار البعض الحصان ابو الفتوح لكسر ما يعرف بالكتلة الدينة ودمجها في مشروع سياسي جديد بعيد عن تفاهة اصطفاف مدني وديني، وقادر على جذب اعداد ليست بقليلة من خارج هذه التفاهة، واختارت الاكثرية النسر حمدين كوجه مدني شعوبي قادر على ارباك جماهير قلقة كثيرة بخطاب بسيط وصورة مرئية تداعب خيال الكثيرين، نجح الرهان نسبيا فى الحالتين –حمدين اكتر طبعا- وشعرنا جميعا بداية تشكيلات واسعة تحاورنا معها وتزاملنا فيها على مدار الشهور الماضية. وصفها البعض بكتلة ثالثة تشكل كيان معارض جذاب.




ولكن وبدون مبررات دخل بعضنا في نوبة من القلق، تركزت هذه النوبة فى جمل من نوعية تأليه اشخاص، والثورة ملهاش قائد، وحديث عن ابتذال المرشح الفلاني. حقيقة لا أفهم على الاطلاق لماذا نعيد أنفسنا دائما لدائرة من الخوف دون مبررات، الجماهير القلقة التي لا تعمل فى المجال العام بشكل دائم تعطينا مؤشرات عدة، لعلنا نتأمل، اولا فيما يخص التأليه والرموز ومع قليل من التأمل ترى ان هذه الجماهير وعلى مدار أكثر من عامان تأتي بشخص ترى فيه  جاذبية قادرة على الحشد من حوله والعمل، تقول له بدون أى تعقيدات "خد ياض"، وبعد فترة تنتهى مهمته او يخذل هذا الجماهير، فتبحث حولها من جديد لتنادي على أخر "خد انت ياض". الامر بالفعل ليس أكثر من ذلك، ودعونا نتذكر ونتسأل عن الحالم محمد البرادعي، شخص لم يكن تماما فى الصورة او الدائرة نادت عليه قوى سياسية او بالاصح تجمعات عابرة للمفهوم التلقليدى للعمل السياسي في مصر وقالتلوا نصا "خد تعالى"، جاء الحالم ليصنع زخم كبير وسط الكتلة القلقة من الجماهير، عمل شباب حديث العهد بالمجال العام حول هذه الشخصية تحت مسمى حملة دعم البرادعي، تحركوا وتعلموا وكسبوا فى الصفوف الكثير، حتى اتى هذا "الزعيم" بكل ما يملك، فأحالته نفس الكتل للمعاش وأمنت له حساب شخصي على تويتر، أتذكر كم غضب البعض من البرادعي تحت دعاوى اننا لا نحتاج لزعيم، واين كان وقت الانتفاضة وحرب العراق وكفاية واضراب 6 أبريل، متهمة كل من صنع هذه الفكرة بأنه "بيحب يتركب" ولكن كانت الاعداد الكبيرة أذكى تماما فى التعامل مع الدكتور العائد، انتهينا من الدكتور لنصل لمرحلة الشعبوي حمدين صباحي، نموذج جديد كان بعيد تماما عن حسباتنا، وأذكركم هنا بتواقعاتنا للنسر قبل شهرين من الان، نادت الجماهير بعنف مرة جديدة "ايوه انت يا حليوه.. خد تعالى"، رأت فيه بشعاره الاستثنائي -المبتذل إن احب البعض توصيفه هكذا- واحد مننا قدرة على الحشد والعمل مستغلة حالة السيولة الشديدة التى صنعتها ثورة يناير.




لا اقلق اطلاقا على هذه الجماهير من تأليه أشخاص، او الغرق في بحر الابتذال، لانها هى من تصنعه عندما تشعر بالحاجة وهي من تعيده بعد نفاذ رصيده، والأسماء كثيرة ويحضر في الذهن منها وائل غنيم ووعلاء عبد الفتاح او علاء سيف كما احب مناداته، وأخرين.. واراهن انهم جميعا لايشعرون بمرارة أطلاقا من غبن الجماهير بهم، يدركون أنهم رجال مرحلة يصعدون على الخشبة يقومون بالدور ثم ينزلون للاشتراك مع الجماهير وتصعيد شخص أخر تلمح تجاوب حقيقي معه. أما محاولة تحليل أن هناك مجموعة ما بعينها تصنع هؤلاء فهو بالحق عقده تكبير شخصيات واعطائهم حجم اكبر بكثير من قدرتهم، فمثلا التركيز ان منى الشاذلي وإبراهيم عيسى ومحمود سعد ويسري فودة قادرون على فرض رمز او تأليه شخص، فكرة عقلي لا يستطيع هضمها بالمرة، فمن الممكن أيضا وبمتابعة دقيقة تجد ان هؤلاء يستضيفون العديد من الوجوه وبشكل مكرر ولكن لم تختارهم الجماهير للقيام بهذا الدور، بأختصار دور السادة فى التوك شو هو تنظيم الكاسينج- اختبار اداء- للمشاهدين، مجرد تنظيم الكاستنج وتقديمه، المتابعون فقط هم من يلمحون ذكاء تجربة والقدرة على العمل والحشد من حولها.



ارجوكم لا تتحولون فجأة لفنانين يعانون الحزن الشفيف، ارجوكم كفانا كلام عن مش حاسه، مبتذل، الحلم مش أشخاص.. التجربة للمرة المليون تثبت ان الامر أعمق واذكى من حزننا الشفيف.

ملحوظة ختامية
لا اشغل بالى بالنظر فى احتمالية صنع المخابرات او اى من هذه الاجهزة المنحطة لرموز، لاننا بأختصار نكسب متورطين جدد وزخم جديد بالتأكيد لا تريده أجهزة الروايات البوليسية، والحقيقة اشعر بالمرارة –اذا افترضت حسن النوايا- كلما فكرت ان هنك زملاء لازالوا يحالون صنع اسطورتهم الذاتية فى التحليل واثبات المؤامرة، اعزائى المجال العام فى مصر تجاوز هذه الاساطير.

..........................
بسام مرتضى

Thursday, May 03, 2012

سوبر مصطفى محي.. الشاهد على نهاية العالم القديم




في مساء ليلة باردة في الثالث من يناير 2011 خرج الزملاء لشبرا تضامنا مع الاقباط بعد تفجير كنيسة القديسين، أنشغلت كعادتي في السنوات الاخيرة بالإطمئنان على المصور الذي أرسلته لتغطية الاحداث، بعد أن تواترت الانباء عن حدة الاشتباكات بين المتظاهرين الاقباط والمتضامين فى جهة والداخلية و"الأهالي" من جهة أخرى.
مكالمات هاتفية متتالية بيني وبين مصطفى بهجت يحكي لي عن الطوب والتكسير والزجاج وهروات الامن المركزي وعلى الهامش يبلغني بان صديقنا الاخر وزميلنا مصطفى محي محتجز مع مجموعة خرى أمام الكنيسة، لوهلة توقعت أن الامر سينتهي بعد ساعات بمجرد أن يسيطر الأمن على الغضب وبعدها بالتأكيد في مقدمة من سيخلى سبيلهم هم مصطفى وباقي الزملاء، فهم مجرد متضامنون ذهبوا ليهتفوا "مطلب كل الوطنيين، مصر لكل المصريين". عاد مصطفى بهجت بالمادة للمكتب مرهق بشكل لم يسبق، مشدوها بأعين ذائغة وكأنه رأى شبحا. عندما اعدت النظر لكل تفصيلة فى المادة المصورة تشابهت الملامح، شباب وعائلات غاضبة لا تعود ولا تهدأ حتى بعد حوارات ومفاوضات من رجال دين مسيحي، شباب تواصل الصمود رغم تواصل الضرب من قوات الأمن المركزي، نساء تقف على باب الكتدرائية تحمس الشباب وتربط قطعتين من الخشب برباط على شكل صليب ليرفع فى وجه المعتدي، شاهدت رجل دين مسيحي يخرج ليصلي امام الشباب ويأمرهم بأسم الرب ان يعودوا إلي منازلهم وكنائسهم ويشكك في إيمانهم بتعاليم المسيح ولكن الشباب يهتف غاضبا ضد مبارك وحاشيته من رجال الدين، كنا نعلم بالتأكيد اننا أمام حدث جلل، وأن بالتأكيد العالم القديم ظهرت بوضوح عليه معالم الشيخوخة.


ولكن كل هذا كان يؤكد لي ان مصطفى محي والاخرون سيخرجون، وأن طاقة الغضب التى خرجت فى هذا المكان أكبر بكثير من رمزية التضامن التي صنعها صديقنا ذو الملامح الهادئة، جائت عريضة الاتهامات لتعيد لي النظر فى هذا الهاديء المخادع، اتهم مصطفى و7 من الزملاء بإصابة 15 عسكري امن مركزي و4 ضباط شرطة، وإتلاف سيارتي ميكروباص و مدرعة و11 سيارة لوري. نظرت الان لمن حولى من الاصدقاء فى المؤسسة لكل من أغضب في يوم مصطفى محي، تخيلت مصطفى يدخل من الباب مختالا كنور الشريف عندما علمت الحارة انه القاتل فى فيلم أقوى الرجال، توقع الجميع الخروج السريع لمصطفى وباقي الـ 7 نشطاء وبالفعل حدث الخروج بعد عدد من الاهانات اعتادها اي ناشط اختار العمل في المجال العام، الخروج ليس للبراءة ولكن بضمان محل الاقامة. قامت ثورة نسينا ونسى محي نفسه الامر، خلع مبارك وتم تكسير مئات المدرعات واللوريهات واصيب  مئات العساكر والضباط، ولكن ولاستكمال المشهد الدرامي شديد التعقيد و بعد مرور أكثر من عام يصدر حكم بحق أقوى الرجال مصطفى وباقي النشطاء بالحبس سنتين، أثق الان ان قرار الحبس جاء لانهم كانوا شهودا على أول جرح يضرب فى عظام النظام القديم، لانهم رأوا بأعينهم إسماعيل الشاعر مدير أمن القاهرة يجري بنفسه في الشارع محاولا السيطرة على بركان الغضب، لانهم صادقوا شباب قبطي كسر كل قيوده ليعبر عما يشعر به دون وصاية أو توجيه، الان يعاقب من شاهد العالم القديم يموت ظننا ان هذا قادر على إعادته. سينظر الاستئناف يو 13 مايو وسيخرج كل من مصطفى محي، محمد ناجي، مصطفى شوقي، محمد عاطف، تامر الصادي، أحمد رفعت، ضياء الدين، عمرو أحمد، سيخرج الشهود ليواصلوا على مدار عمرهم حكي ماحدث في ليلة 3 يناير، ليعيدوا على الجميع حكي السقوط الاول للعالم القديم.


كتبت هذة التدوينة ضمن فعاليات يوم التدوين للتضامن مع النشطاء المحكوم عليهم فيما عرف بقضية التضامن مع الأقباط
.................................................
بسام مرتضى