Wednesday, October 12, 2011

سخف يوم الميلاد



كالعادة، يمر يوم 12 أكتوبر من كل عام سخيفا على قلبي، اتذكر انه منذ ميلادى فى نفس اليوم والسخف يفيض من ثنيات يوم الميلاد، أتذكر فى فى عيد ميلادى الاسطورى الأول، كنت قد اكملت عامى الرابع،و رسمت زينة عيد الميلاد أسمي على الحوائط، وغرقت الطرقات ببلونات ملونة، وحضر الجميع. ولكنى، ومن وحي ذاكرتى وبمساعدة الفوتوغرافيا لم أكن سعيدا، فكان بنطال البدلة قاسي على طفل يكمل الرابعة، وظللت مستاء حتى تخلصت منه، فخرجت ملامح الاستياء من الحضور. تمر أعوام ويظل اليوم سخيفا لى ولمن حولى، ارفض الاحتفال فى أوقات يقرر فيها البعض الاحتفال، واقرر الاحتفال حين يقرر البعض النسيان. ينفتح جرح كتفى من أثر التطعيم يوم ميلادى فى الاعدادية، يتحفظون على فى سيارة شرطة أثناء الهتاف لفلسطين يوم ميلادى فى الثانوية ، يبكى الجميع يوم ميلادى فى الجامعة.

الغريب كونى أكثر الشخصيات التى تتواجد فى اعياد الميلاد. الحقيقة انى أحب مناسبات أصدقائي الإجتماعية، احب حضور اعياد ميلادهم، افراحهم فى جناين كانت او بواخر او حتى قاعات فارهة سخيفة، اتأمل فرحتهم واستمتع باصوات الموسيقى الصاخبة الصادرة من الدى جي، اتمايل دون توقف واستاء من اصدقائي المستائين من الزحام والضوضاء. ولكنى اتخشب فى ميلادى. فى هذا العام يمر اليوم دون أى فاعلية تخص الحدث، وتحدث فيه فاعليات أخرى اكثر قربا لقلبي وأكثر بعدا عن يوم ميلادى. فى هذا العام يمر اليوم ورائحة الدم لاتزال فى أنفى، فى هذا اليوم أتذكر كلمات الشاعرة العراقية غادة السمان، أتذكرها وارددها

شاهدت مسلحا مقنعا

يمزق زينات العيد ..

و يلصق اوراق النعوات

على الابواب كلها

و يختم عيون الاطفال

بالشمع الاسود

و يأمرنا بأن نقبل سلاحه

و نلعق حذائه ..

و نتوجه ملكا في شوراع القمامة و الجثث..

أي جنون يجتاح هذه المدينة ؟...


..........................................

بسام مرتضى

Sunday, October 09, 2011

"بيوتفيل" المدينة التى تلفظ سكانها






تسأل الابنة أبيها وهى تجهز لوحتها " كيف تكتب كلمة بيوتفيل" يرد الاب " كما تنطق" فتكتبها بخطأ إملائي واضح هذا هو السؤال المفصلي فى رائعة المخرج المكسيكي أليخاندرو إيناريتو "بيوتفيل"، الفيلم الذى ترشح لنيل جائزة مهرحان كان لهذا العام وعرض فى مصر فى إطار فعاليات بانوراما الفيلم الاوروبي لعام ٢٠١٠.




المدينة الخانقة


يبتعد "أليخاندرو" بهذا الفيلم عن البناء الدرامي لأخر افلامه "بابل" على الرغم من الحفاظ على نفس التنوع الثقافى فى شخوصه فشخصية "اوكسبال" التى يجسدها الممثل الأسباني "خافيير بارديم" هى محور الاحداث الذى تتلاقي معه كل الخيوط والشخوص فى رحلته نحو الموت، تنوعات مختلفة من المهاجرين الصنيين إلي الافارقة يجتمعون جميعا فى مدينة منزوعة الملامح والتفاصيل خانقة الى أبعد الحدود، تدور رحلة "أوكسبال" داخل مدينة برشلونة التى تنسي كثيرا وجودها إلا فى لقطات او جمل حوارية خاطفة، مثل المهاجر السنغالى الذى تم ترحيله واطلق على ابنه اسم "صامويل" تيمنا باللاعب الكاميرونى صامويل ايتو لاعب برشلونة الاسبانى، وهنا تنتبه فجأة انك لازلت فى مدينة برشلونة। هذا التنوع الثقافى يخرج تماما عن اى كلام يخص رحابة المدينة الكوزموبولاتينة، فأنت لاترى إلا لقطات ضيقة وخانقة دون مقدمات بانورامية او استعراضية للمكان، فالقسوة والاختناق تظهر مع كل تكوين يقدمه الفيلم ترى كل مخلفات المدينة معلق بشكل عشوائي على عواميد الكهرباء او على أحبال الغسيل المهترئة وكأنها بقايا بشر جرفتهم الامطار وتعلقو بهذا الشكل المهمل. يعتمد "أليخاندور" على إعادة عدد من اللقطات الواسعة لناصية منزل "أوكسبال"، منزل قديم على ناصية شارع متعرج يغرق الداخلون فيه، ولكن تكمن قسوة الفيلم الرئيسية فى عدم إحالة اللحظة الحالية شديدة الاختناق إلي لحظة ماضية افضل، بل انت تتأكد ان هذه الحياه على كل ما فيها مصاحبة لشخوص الفيلم منذ الميلاد، شديدة الصلة بأصولهم الطبقية والعرقية رغم اختلاف اماكنهم فأب "أوكسبال" يهاجر من اسبانيا فى فترة حكم الفاشية باحثا عن الخلاص فى المكسيك فيموت بعد أسابيع منذ وصله ويهرب المهاجرون الافارقة والصينيين من جحيم بلادهم الفقير ليعيشوا محاصرين فى قاع أوروبا.




الموت الرخيص


الموت هو خط درامي مفصلي للغاية فبطل الفيلم يعلم من البداية انه على وشك الموت بسبب سرطان البروتستات فيزداد فى ارتباكه ورفضه ومراجعة ميراثه من أبنائه لعمله، كيف كنت أبا ومن سيكون الأب بعد موتى، يراجع فشله الدائم فى البحث عن حلول طويلة أبدية، يحاول العودة لأوضاع سابقة باحثا عن أمل فى الماضي الذى ينكسر زيفه فى كل محاولة للعودة ،الموت يطل بقسوة أكثر مع المهاجرون الصيينون وفى صمت تام وبتفاهة قاسية يموت 25 شخصا من الاختناق دون حتى ان تراهم يقاومون، يصرخون. لا تراهم الا فى مخلية "أوكسبال" ، لاترى إلا جثث هامدة فى أماكن نومها. الموت الرخيص هو المصير المتوقع لكن شخوص الفيلم الذين لا يملكون شيئا ولا يؤثرون فى شيء، الكل يذهب مع النسيان حتى فى مماته، الكل غارق فى قاع المدينة التى تلفظ جثته فى النهاية كمل لفظ البحر جثث الصينيين اثناء محاولة التخلص منهم، وكما تلفظ المدينة بقايا البشر على حوائطها.


"بيوتفيل" شريط سينمائي بديع من حيث التكوين البصري والألوان المستخدمة من درجات الازرق التى تصل الى البنفسجي لتعطيك مزيدا من الالم والقسوة مع إخلاص شديد من المكسيكي "إليخاندرو" لايقاع أبطاله وإيقاع رحتله، يتعاطف معهم فى كل تكويناته ويجبرك على تذوق المرارة معهم، ويظل أداء "خافيير بارديم" الذى حصد جائزة "كان" لأفضل ممثل ملفتا للغاية بهذا الحزن الذي يخرج من ملامح ذكر قوي و يسيطر على أدائه منذ البداية.. "بيوتفيل" ستظل تكتب بأخطاء إملائية واضحة لإنها محاولة البحث عن شيء لم نعشه ولن نجده .

بطاقة الفيلم

الاسم : بيوتفيل biutiful

تاليف واخراج : أليخاندرو إيناريتو

بطولة : خافيير باردييم، ماركيل الفاريز، حنان بشعيب

انتاج سنة 2010

الجوائز : جائزة مهرجان كان أفضل ممثل دورة 2010


.............................

ملحوظة، كتبت هذه التدوينة لمجلة البوصلة، وميعاد تسليمها كان يوم ٢٥ يناير ٢٠١١ ، والان أعود لاجدها بالصدفة علي بريدي الشخصي.

بسام مرتضى

Saturday, October 01, 2011

التنظير من البيت.. عن لقاء المخابرات!!





نشهد الفترة الاخيرة حالة ما من الركود الحركي وانتهاء فعلي للحظة الرومنساية الاستنثنائية التي خرج فيها الجميع مكبرين "ايد واحد ايد واحد"، ندخل فترة جديدة يحدث فيها فرز سياسي غير نهائي ولكنه متشكل، فترة تسمح اكثر لمجرد التقارب واعلان مواقف سياسية معبرة عن توجهات في "الفترة الانتقالية" مما يعني ان يعاد تقييمها وتغييرها بعد انتهاء الفترة الانتقالية، يضرب هذا المناخ الروح الثورية الغير مترددة المثبت قلبها بايمان عميق للثورة، يضرب هذا سلفي الهوى الثوري ويجعلهم في ربكة وحيرة وتشكيك. منذ بداية هذه الفترة التي ترجع تقريبا لشهر مايو الفائت وبدأ روح النقاش تحتد بشدة مع اخذ مواقف خلافية علي طبيعة التحرك السياسي في الفترة القادمة، ومعها انتشرت جملة كالنار في الهشيم وتم ابتزاز "الجميع" وسط تواطؤ عام، الجمله كانت "اللي مش عايز يجي معنا ويقعد في البيت براحته بس بلاش ينظر علي دين ايونا"، هذه الجمله الرجعية التي انطلق كانت في مواجهة زملاء شاركوا في الثورة من الاساس، فلا احد يخاطب الفلول او عملاء الاجهزة الأمنية مستخدما كلمات كـ"براحته"، لكنها جملة تواجه من "جلس" بعد ان كان "يتحرك"، اي ان هذه الجمله في مواجهة ثورا أعلنوا رأى مخالف في تحرك سياسي، رجعية الجملة تعود لانه من غير المقبول في مصر الثورة ان يتم إهانة التحليل والتنظير وابداء الاراء بعلانية بهذه الطريقة لحساب تحركات سياسية اي كان تقييمها، وان نعود مرة أخري لحالة ان الحركة هي سر ثوريتك بغض النظر عن مواقفنا وتقييمنا المختلف في هذه اللحظة، لم يمر علي هذا المناخ كثيرا حتي طال الكل، وصولا بالهجوم الشديد الذي تعرض له بعض من أصحاب المراكز الحقوقية عن لقائهم مع المخابرات، الحقيقة ان من هاجمهم رددوا كثيرا من قبل جملة "بلاش تنظير علي دين ابونا" ولكن في هذه اللحظة كان يرون انهم يحق لهم -وهذا صحيح- أن يعلنوا مواقفهم في مواجهة الزيارة واللقاء. بإختصار يحق للجميع -مجموعات أو افراد- اتخاذ مواقف سياسية يرون انها الانسب والاصح وفي نفس الوقت يحق للجميع دون استثناء تقييم وتحليل هذه المواقف دون الحاجة لكشف صحيفة النضال الخاصة به. هذا الثورة تؤمن لنا جميعا المشاركة في صياغة شكل الدولة الجديد.. فاحذروا ان تخونوا هدفها الرئيسي وان نتحول لمجموعة عقائدية تري في نفسها انها تأخذ المبادرة والجميع إما متواطئين أو جبناء، يحق للجميع النقاش والمساهمة والتفكير المجهد لاختيار مايراه -الشخص، المجموعة- يتناسب مع افكاره، وان يتحمل هذه الحالة الرخوة التي تبيح للجميع انتقاده وبعنف. ولا تبخسوا التفكير حقه تحت دعاوي الثورة فكرة مجنونة، وتذكروا انه لولا الكثير من العوامل التي لم نستطع تأملها في فترة ما قبل يناير ماكان حدث ما حدث، ولا تتغاضوا عن ضعف خيالنا وتأملنا في الحالة المصرية بان الامر مجرد حدث مجنون. ارجعوا للتحليل والتفكير والاختيار والحلم والمشاركة.

…‫………………..‬
بسام مرتضى